شلال الاخبار..الخبر لحظة بلحظة

    تحميل صور الاخبار

    كتاب أمريكي جديد يتصدر قوائم أمازون: الرأسمالية.. عمل ملحمي يكشف الوجه الحقيقي للأيدي الخفية التي تحكم العالم

    منذ 2 ساعة (05-12-2025 16:36:27) (سياسة)
    قدم المؤرخ الأمريكى بجامعة هارفارد سفين بيكرت، سردًا ملحميًا لتاريخ نشأة الرأسمالية وتطورها وآليات سيطرتها على العالم الحديث؛ والتى وصفها بـ«الكيان العالمى الهائل الذى صنع العالم الذى نعيش فيه اليوم» عبر صفحات أحدث كتبه «الرأسمالية: تاريخ عالمى» الصادر عن دار نشر بنجوين.فى البداية، قال المؤلف إن الرأسمالية كانت أثناء الحرب الباردة القوة العالمية التى لا يجرؤ أحد على ذكر اسمها، فبدت وكأنها «الحالة الطبيعية» للأمور، إذ كتب المؤرخون الأمريكيون مرارًا عن مفهوم الاقتصاد (كما نعرفه الآن) دون تحديد طبيعته، لكنهم استخفوا بمن استخدم مفهوم الرأسمالية.وبرهن بيكرت عبر صفحات الكتاب - الذى تربع على قوائم أمازون لمبيعات الكتب فور صدوره - على أن الرأسمالية نشأت كظاهرة عالمية، عبر سلوكيات فريدة لقلة من التجار فى أماكن متباعدة مثل القاهرة وتشانجتشو، برغم من أن معظم كتب التاريخ تعاملت مع الرأسمالية بوصفها اختراعًا أوروبيًا.ومن خلال رسم خريطة الأصول المتنوعة للرأسمالية، كشف بيكرت عن طابعها المتحول وقدرتها على التكيّف؛ فعلى مدى قرون، أنشأ التجار جيوبًا صغيرة من رأس المال داخل المدن الساحلية، ونسجوا شبكات ثقة معقدة عبر مسافات واسعة.وقد ساعدتهم هذه الروابط، كما أشار الكاتب، على تجاوز مقاومة الطبقات العليا من الأرستقراطيين، الذين اعتبروا صنع المال من المال أقرب إلى الخطيئة أو السحر أو السرقة، ومقاومة الطبقات الدنيا من المزارعين والحرفيين المتمسكين بفكرة محلية للأسعار تقوم على إحساس مشترك بالأخلاق.وفى القرن السابع عشر، أصبحت جزيرة بربادوس فى منطقة الكاريبى، المنتجة للسكر، إحدى أولى المجتمعات الرأسمالية فى العالم، بينما تحولت بوتوسى (فى بوليفيا الحالية) إلى واحدة من أولى المدن الرأسمالية، وذكر بيكرت أن ما يصل إلى ربع العاملين فى مناجم بوتوسى كانوا يموتون فيها، ولكن أثرياء بوتوسى كانوا قادرين على شراء الألماس السيلانى، والجوارب النابوليتانية، والكريستال الفينيسى، والخزف الصينى.وفى هذه الزوايا البعيدة من العالم، أجرى المستثمرون الأوروبيون شكلاً من التجربة المدنية؛ حيث مدّوا منطق السوق إلى كل جوانب الحياة. فكل شىء، خاصة العمل البشرى، صار سلعة تُشترى وتُباع بالنقود، نقلًا عن صحيفة نيويورك تايمز.ورغم أن كثيرًا من تواريخ الرأسمالية تتسم بالجمود والاقتصادية البحتة، فإن «بيكرت» أثرى عمله بإعادة خلق الأمكنة التى صُنعت فيها الثروات؛ مثل: مراكز التجارة فى آسيا الوسطى فى العصور الوسطى، ومزارع السكر فى المحيط الهندى، وعمالقة الصناعة فى القرن العشرين لا سيما من مُصنّعى السيارات فى ديترويت، وسافر المؤلف إلى العاصمة الكمبودية بنوم بنه، حيث أجرى مقابلة مع عاملة نسيج عند بوابة أحد المصانع، ثم ألحق تجربتها فى خاتمة الكتاب.كما أضفى «بيكرت» بُعدًا إنسانيًا عبر ربط التاريخ بحياة رأسماليين محددين، مثل عائلة جودريج فى الهند تحت الحكم البريطانى؛ فقد كان أفراد هذه العائلة من الوطنيين الملتزمين، وبدأوا تصنيع السلع اليومية مثل الأقفال والخزن فى مطلع القرن العشرين، وساهموا فى تمويل حركة الاستقلال الهندية. وحققوا أرباحًا كبيرة مع تراجع الإمبراطورية البريطانية فى أواخر الأربعينيات، عندما ساعدهم دعمهم المبكر للأب المؤسس للهند الحديثة وقائد حركة استقلال الهند، جواهر لال نهرو، على الفوز بعقد تصنيع آلات كاتبة للبيروقراطية ما بعد الاستقلال.كما تحدث الكاتب عن معركة فكرية وثقافية وجيوسياسية مشتعلة منذ أكثر من قرنين حول ماهية الرأسمالية وما الذى يمكن أن يكشفه تاريخ نشأتها، وقدم نقدًا لاذعًا للأساطير القديمة، موضحًا أن اليد الخفية للسوق لا توجه شئون العالم بسلام، وأن تطور الرأسمالية لم يكن طبيعيًا بأى معنى.وعلى غرار كتب كثيرة قبله، لم يقدم الكتاب الجديد تاريخًا فحسب، بل إدانة أخلاقية أيضًا؛ فاستعارة «المسوخ» حاضرة طوال السرد، ورأى القارىء عبر صفحات الكتاب أن يد رأس المال كانت مرئية، وباردة، وقاسية وشرسة عبر التاريخ، وتم تصوير الرأسمالية أيضًا كمخلوق متعدّد العلاقات، يعتمد على أنماط مختلفة من العمل، من المستعبَد إلى الحر، وفى أنظمة سياسية متعددة من الديمقراطية إلى الديكتاتورية.ورغم أن «مونتسكيو» وآدم سميث، وهما اثنان من أبرز مفكرى القرن الثامن عشر، رأيا أن التجارة العالمية تعزز السلام، لأنها توسّع المصالح المشتركة، فإن ما حدث فعليًا، وحتى خلال حياتهما، كان مختلفًا؛ فقد كانت التجارة غالبًا عسكرية وعنيفة؛ فالأساطيل المسلحة كانت توجه مدافعها نحو الموانئ لفتح الأسواق، والملوك كانوا يعتمدون على المصرفيين، حين لا يحاولون كبحهم، لتوفير الفضة اللازمة لتجهيز الجيوش، وأشار «بيكرت» إلى أنه بين عامى 1689 و1815، كانت بريطانيا وفرنسا فى حالة حرب لمدة 64 عامًا.وأكد «بيكرت» أن الرأسمالية اعتمدت فى كل مراحلها على القوة العسكرية للدولة الحديثة، وعلى ممارسات عنيفة، بما فيها الإرهاب الصريح الذى قام عليه نظام العبودية الأطلسى. ومن خلال توظيف موضوع رئيسى من كتابه السابق «إمبراطورية القطن»، أوضح كيف أن العبودية الأطلسية، والمنطق السوقى الذى غذّاها، كانت محركًا للثورة الصناعية.وبرغم تركيزه الملحوظ على التطورات التكنولوجية مثل القاطرة البخارية والسكك الحديد، فإنه لم يتحدث كثيرًا عن السفينة الأوروبية، وهى الآلة التى قادت غزو العالم من القرن الخامس عشر إلى الثامن عشر، ولا أيضًا عن البحّارة الذين مكّن عملهم من نشوء السوق العالمية.ومع ذلك، احتل العمال وتاريخ العمل مكانًا محوريًا فى الكتاب الجديد؛ فرأى القارىء القوة الجماعية للعمال عبر التمرد والمقاومة فى المزارع والمصانع، كما حدث خلال الثورة الهايتية ومراحل الثورة الصناعية. وكان تأثيرهم الرئيس هو إبطاء تقدم رأس المال وإضافة ملامح أكثر إنسانية للنظام، مثل دولة الرفاه.ومع هذا، لم يمنح الكتاب الوجوه الإنسانية نفسها لحركات مقاومة الرأسمال كما منحها للفاعلين الذين نشروا نفوذها عالميًا؛ فالكتاب أقرب إلى دراسة فى الاقتصاد السياسى منه إلى تاريخ مجتمعى.وفى الختام، نشير إلى أن الكتاب يعد، فى مجمله، عملاً رصينًا وواسع المعرفة ونابضًا بالحيوية، ومن المتوقع أن تجذب تركيبته الثرية بالمعلومات ليس القرّاء العامين فحسب، بل آلاف المتخصصين حول العالم، لأننا فى النهاية نحيا جميعًا داخل عالم الرأسمالية.

    تابعونا..