السدو.. موروث ثقافي وإبداعات متجدة
منذ 3 يوم (01-01-2025 12:59:24) (سياسة)لا تزال حرفة السدو التقليدية العريقة حية في ربوع المملكة، ليس في عمق البادية حيث نشأ هذا الفن الأصيل فحسب، بل في المدن والبيوت والمهرجانات والمعارض والفعاليات وصالونات الفن والإبداع.
وحرفة السدو موروث شعبي ورمز ثقافي وحضاري يجسد تميز إنسان المملكة والجزيرة العربية، حيث سُجلت في عام 2020 "حياكة السدو" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة "اليونسكو"، كما دُشن شعار جديد لمعرض الرياض "إكسبو 2030" مستوحى من السدو.
وتؤكّد موافقة مجلس الوزراء على تسمية العام 2025 بـ "عام الحرف اليدوية" ما تحظى به الحرف التراثية الأصيلة مثل: السدو وغيره من اهتمام وعناية، حيث يسهم عام الحرف اليدوية في الاحتفاء بإبداعات الحرفيين السعوديين وإبراز قيمة هذه الحرف الأصيلة في الثقافة السعودية.
وتبرع أنامل السيدات اللواتي يتقن هذا الفن في حياكة الأقمشة والقطع زاهية الألوان، التي تلبي احتياجات البيئة والمجتمعات التي ازدهر فيها قديمًا فن حياكة قطع السدو، لتصنع منها المفارش والأغطية والبسط والوسائد المطرزة، وحتى البشوت والملابس النسائية والإكسسوارات، بالإضافة إلى بيوت الشعر التي تعد من أكبر منتجات السدو.
ويستمد فن السدو التقليدي مواده الخام الأولية من مكونات تزخر بها البيئة الطبيعية الصحراوية والبدوية في المملكة مثل: شعر الماعز، وصوف الغنم، ووبر الإبل، وأتقنته المرأة البدوية؛ للإسهام في بناء الخيمة أو بيت الشعر، وتلبية احتياجات أسرتها من المفارش والأغطية وغيرها.
ويمرّ السدو بعدة مراحل تبدأ من جز الصوف ثم فرزه وغسله باستخدام بعض المواد كالصابون أو الرماد لتنظيفه من العوالق والشوائب، ثم تجفيفه وبرمه وغزله وصبغه بألوان طبيعية مستخلصة من النباتات وقشور وجذور الأشجار مثل: الزعفران، والحناء وغيرها، ويغلب على ألوان قطع السدو الأسود والأبيض والأحمر والبني، بالإضافة إلى ألوان أخرى، وتزين القطع بالنقوش والزخارف ولوحات فنية إبداعية من الأشكال الهندسية مثل: المستطيل، والدائرة، والمثلث وغيرها من الأشكال المميزة، التي يرمز العديد منها إلى تفاصيل ودلالات مرتبطة بالحياة البدوية.
وتستخدم أنامل الحرفيات لحياكة الخيوط ونسج هذه القطع الزاهية الفريدة، المغزل والنول والأدوات الخشبية مثل: "المنفاش" وهو مضرب خشبي مبطن بمسامير يستخدم لتفكيك الصوف بعد تجميعه وغسله وتجفيفه، لتبدأ بعد ذلك عملية الغزل وتحويل الصوف إلى خيوط مبرومة واستكمال مراحل حياكة السدو.
ويحظى فن حياكة السدو بمكانة متميزة في مختلف مناطق المملكة، ومنها منطقة الجوف، حيث تبرع العديد من الحرفيات والأسر المنتجة في تقديم منتجات سدو متميزة، وتجد الدعم والمساندة من إمارة منطقة الجوف والقطاعات الحكومية والأهلية، ومنها جمعية "مغازل السدو" التي تنظم العديد من البرامج التدريبية للحرفيات، فضلًا عن المعارض والبرامج التي تهدف لتسويق المنتجات والتعريف بهذه الإبداعات.
تقول رئيسة مجلس إدارة الجمعية الدكتورة هيام بنت مبارك البحيران: "إن السدو رمز لمنطقة الجوف والمملكة، وهو ثروة وطنية وعالمية، وتعمل الجمعية لتحقيق استدامة السدو وحمايته وتطويره وتوثيقه للجيل الحاضر والأجيال المستقبلية".
وتضيف أن أهداف جمعية "مغازل" تشمل المساعدة في توفير فرص الاحتراف للمواهب، ورفع الوعي بمجالات صناعة الأزياء، وتقديم المشورة للمهتمين بالأزياء، وإتاحة فرص التعليم والتدريب، ودعم الباحثين، والإسهام في تطوير مجال الأزياء.
وتقدم بدورها جمعية الملك عبدالعزيز النسائية للتنمية الاجتماعية بالجوف الدعم والتدريب لحرفيات السدو ضمن مشروع صنع في السعودية المعني بنشر ثقافة الصناعة السعودية عبر 5 مسارات تشمل: السدو، والبخور، والعطور، والصابون، والريزون.
وتوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية عفراء بنت مخلف السلطان، أن عدد الأسر المنتجة بمنطقة الجوف يزيد عن 500 أسرة منتجة في مختلف الحرف والمهن اليدوية، وهذا ما تم حصره من مشاركات الأسر بمهرجان الزيتون الدولي في خيمة الأسر المنتجة سابقًا والعدد في ازدياد مع الاهتمام المتواصل بالحرف اليدوية.
وتضيف أن أول حرفة يدوية تمثل المنطقة وتتميز بها هي "حرفة السدو" والتي تعلمتها المرأة الجوفية وتوارثته من الجدات، وأدخلت عليها الكثير من الإبداعات وتميزت بها، مشيرة إلى أن الجمعية حافظت على هذه الحرفة من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي.
ويضمّ المعرض الداخلي للجمعية العديد من أعمال المرأة الجوفية للسدو، تعمل به حرفيات في إنتاج قطع السدو بحرفية عالية وخطوط متناغمة مع التقدم في عالم اليوم، وكذلك تم إدخال التطريز والطباعة وإنتاج قطع تناسب رغبات الجميع، وهناك حرف يدوية توازي خط صناعة السدو مثل: الكروشية، والندافة، والخياطة، إضافة إلى تنظيم دورات للتدريب على حرفة السدو، ضمن جهود الجمعية؛ لتقديم كل ما يخدم المرأة والأسرة والإسهام في تحقيق رؤية المملكة 2030.
ويسجل السدو حضورًا لافتًا في العديد من المهرجانات والفعاليات التي تشهدها المملكة، باعتباره بصمة ثقافية سعودية مميزة، كما يحظى باهتمام من وزارة الثقافة وهيئة والتراث ومختلف الجهات الحكومية والأهلية، في ظل رؤية المملكة 2030 وعنايتها بإبراز وحفظ كنوز التراث الثقافي للوطن.